دير شرف وقوصين، قريتان لطالما اتصلتا مع بعضهما البعض بالسهل والخير والماء، فكانتا أنشودتنان فلسطينيتان من الريف الجميل زرعت بين سهولهما سنابل الخير وحملت بجوفهما قطرات الحياة، لتحملا معا أيضا هما واحدا وألما كبيرا بعد أن فرق بينهما الاستيطان منذ أعوام عدة وجثم على أرضهما المصادرة، لتتجدد معاناتهما اليوم بالسيطرة على الأرض وتحويلها إلى مكب نفايات إسرائيلية، وتشتركا مرة أخرى بالألم والمعاناة والمصادرة.
احتلال وسيطرة
أشار محمد أبو حلاوة رئيس مجلس قروي دير شرف ، أن إسرائيل ما زالت تتبع سياسة الاحتلال والاستيطان، وهي لا تكف يدها عن الأملاك الفلسطينية، ومكب النفايات صورة من صور هذا الاحتلال، فهو مقام منذ عام 1998 وتم إغلاقه لصالح الفلسطينيين بعد ملاحقة وصراع طويل، فالحديث عن تجديد هذه القضية أمر خطير، فالمكب لا يبعد سوى 500 متر عن القرية وهناك بيوت لا تبعد سوى 200 متر، هذا بالإضافة إلى الخطر المحدق بتلوث مياه الشرب التي تغذي نابلس وقراها.
ويذكر أن الإسرائيليون كانوا قد استخدموا أراضي قريتي دير شرف وقوصين كمكب من النفايات عام 2002، وأقامته على محجر أبو شوشة بعد إغلاقه، وفي عام 2005 شرعت الشاحنات الإسرائيلية بكب نفاياتها في نفس المكان وبشكل مضاعف حتى بات يشكل خطرا صحيا وبيئيا، وتم إيقافه بعد احتجاجات أثيرت من قبل المؤسسسات الحقوقية وأهالي القريتين.
كما وضح أبو حلاوة أن بئر الماء لا يبعد سوى 250 مترا عن مكب النفايات والذي يزود حوالي 4 آلاف متر مكعب من المياه يوميا للمدينة وقراها، بالإضافة إلى تلوث المياه الجارية والتي تصل مياهها إلى الأراضي الزراعية، ويعد حوض الماء المقام عليه المكب من أهم الأحواض في المنطقة، ويشكل تهديدا لخمسة آبار ارتوازية تزود المواطنين بالمياه، والتي لا يبعد عنه الكثير.
وذكر رئيس مجلس قروي دير شرف أن هناك ألف دونم من أراضي القرية تم مصادرتها سابقا وإقامة مستوطنة شافي شمرون، وهي التي ما زالت تمتد وتتوسع على أراضي القرية، إذ تم السيطرة مؤخرا على حوالي 500 دونم من الأراضي الزراعية والمزروعة بأشجار الزيتون، بالإضافة إلى حرمان العشرات من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.
ويعتبر سهل دير شرف من أغنى مناطق الضفة الغربية بالمياه حيث يوجد به بئران ارتوازيان يمدان القرية و جزء من مدينة نابلس بالمياه اللازمة.
مستوطنة وتلوث
وعلى الصعيد نفسه، وضح حاتم عبد ربه رئيس قروي قرية قوصين " أن الأهالي تفاجئوا بوجود جرافات إسرائيلية في مكب النفايات الذي أغلق ملفه قبل 3 سنوات لصالح الفلسطينيين، وكانت الجرافات تقوم بتحضيره لكب نفايات إسرائيلية فيه، والتي تبلغ مساحته الفعلية 20 دونما من 1صل 180 دونم تم السيطرة عليها"
وقال عبد ربه، أن الأضرار التي نتجت عن وجود المكب فادحة، منها خسائر بيئية أضرت بالمياه الجوفية الموجودة، والتي يتم الاستفادة منها بتزويد مياه للشرب للقرى المحيطة، بالإضافة إلى أضرار صحية خطيرة جدا، بظهور أمراض جديدة لم يلمسها المواطنين من قبل، فحالات الإصابة بأمراض سرطان الرئة في تزايد مستمر نتيجة الغازات السامة بسبب حرق النفايات.
وذكر رئيس مجلس قروي قوصين وجود المنطقة الصناعية الإسرائيلية " دار أرون" المقامة على أراضي قرية قوصين، وما ينتج عنها من أضرار بيئة بالغة نتيجة تصريف مياهها الكيماوية السامة على أراضي المواطنين، والتي أدت إلى حرق بعض الأشجار المزروعة هناك.
وقال عبد ربه، أن المنطقة الصناعية في توسع مستمر، فقد كانت تضم مصنعين واليوم تحتوي على 20 مصنعا ولا يسمح لأحد بالاقتراب منها، وفيها مصانع كيماوية غير صالحة بمكن تواجدها بين السكان، وقد أتلفت حوالي 2000 شجرة مثمرة نتيجة وجود تلوث حاصل من مكب النفايات والمنطقة.
سياسة احتلال
وبدورها، أكدت عنان الأتيرة رئيسة لجنة الصحة والسلامة العامة في محافظة نابلس ، أن مصادرة إسرائيل لأراضي فلسطينية وتحويلها إلى مكب للنفايات هي قضية استيطانية قبل أن تكون بيئية، فهو احتلال فوق احتلال.
وأشارت الاتيرة أن ما أقدمت به قوات الاحتلال الإسرائيلي بسيطرتها على 180 دونم من أراضي قريتي دير شرف وقوصين وتحويلهما إلى مكبات للنفايات إنما هي متابعة لسياسة الاستيطان التي تمارسها إسرائيل بحق أرضنا.
وقالت الاتيرة أن الثار المترتبة على وجود مكب للنفايات جسيمة، والأضرار الصحية والبيئة التي ستلحق بالأرض والمواطنين خطيرة جدا، فالأرض والمياه ستتلوث وهذا يترتب عليه تلوث لمئات السنين ويؤدي إلى عدم صلاحية الرتبة للزراعة,
وتلوث المياه الجوفية و البئر والمغذي الرئيسي لقرية قوصين والقرى المحيطة ومحافظة نابلس، فتلك المكبات تحتوي على مواد سامة وغير معالجة علميا ولا نعلم ما تحويها، ولنا تجربة سابقة بشكل نفايات المستوطنات على أراضينا والآثار السلبية التي تلحقه بالإنسان وبالأرض.
واتهمت الاتيرة بذلك ما يسمى بمجالس المستوطنات، والتي تدعي بحيازتها لتراخيص بتحويل تلك الأراضي لمكبات.
وأكدت في حديثها، أن ما يحكم تلك المجالس هي مصالح لهم في المنطقة، فتلك المجالس لها مشاريعها الاقتصادية ومصالحها التي تقدمها مقابل خدمات على حساب صحة وامن الفلسطينيين، فهم يتعاملون مع أراضينا لمنافعهم الخاصة، فالتراخيص التي يتحدثون عنها باطلة ولا أساس لها من الصحة، وان وجدت نحن لا نعترف بها فهي باطلة.
وعلى الصعيد نفسه، أشارت رئيسة لجنة الصحة والسلامة العامة في نابلس إلى الإجراءات التي بدء بتنفيذها، إذ تم متابعة القضية قانونيا ورفع القضايا في المحاكم الإسرائيلية من قبل السلطة الوطنية وأصحاب الأراضي. وقالت " لقد سارعنا في رفع القضية إلى رئاسة الوزراء الفلسطينية وزودناهم بالوثائق والمعلومات وأطلعنا الوفد المفاوض ممثل بالدكتور صائب عريقات بما يحدث على الأرض، وطالبناهم بالإسراع من اجل النظر فيها، وقمنا برفع قضية في المحاكم الإسرائيلية، خاصة أن القضية نفسها كان قد بت أمرها لصالحنا قبل 3 سنوات من قبل وزارة البيئة الإسرائيلية.
كما ذكرت الاتيرة، أن هناك تحرك شعبي يتم التحضير له اتجاه الأراضي المصادرة، فهي معركة نضالية كانت قد حصلت واليوم سنقوم بها مرة أخرى من اجل إحقاق الحق الفلسطيني لأصحابه، ولن نسمح بان تتكرر تلك المأساة مرة أخرى على حساب أرضنا وأطفالنا، فلا بد للاستيطان أن يزول.
تخوف وقلق
أبدى المواطن ناصر سلمان تخوفه الكبير من الاستمرار في مصادرة أراضي من القرية وتحويلها إلى مكبات للنفايات الإسرائيلية، ويشير أن المكب الذي تم إعادة استخدماه من جديد مقام على أراضي ملك لأهالي القرية ولا حق لإسرائيل في تلك الأراضي.
وقال ناصر " يكفي ما حدث لنا من أمراض وأضرار بيئية وصحية نتيجة الغازات المنبعثة من المكب، فهناك تلوث آخر نتعرض له من المنطقة الصناعية وهناك تزايد في أعداد المصابين بأمراض خطيرة كالسرطان.
وناشد أبو صلاح من قرية دير شرف احد المتضررين من المكب بتحرك واسع من اجل وقف الاستيطان الإسرائيلي على أراضي فلسطينية، وإقفال ملف مكب النفايات نهائيا لما له من ضرر جسيم على صحة الإنسان وسلامة التربة والهواء والماء.
وقال أبو صلاح " إن منزلي لا يبعد عن المكب سوى مئات الأمتار، وقد أصيب جميع أفراد أسرتي بإمراض صدرية عندما ظهر المكب في بل 3 أعوام تقريبا، وكنا لا نستطيع النوم من رائحته ليلا، ونخاف أن يصيبنا مرض السرطان خاصة بعد موت 4 أشخاص هذا العام من قريتنا بمرض السرطان، كلها أعراض لم تكن موجودة سابقا.