بقلم ... الدكتور عزمي بشار
يتحدث الرجل عما جرى في جنيف بشأن التصويت على التقرير الذي أعده غولدستون حول جرائم إسرائيل في غزة , وعن طلب السلطة الفلسطينية تأجيل مناقشة التقرير , لأقول : أجل لقد صار العار يمشي عاريا , ودون أن أقصد التقرير إياه أو مواقف الأطراف المختلفة منه , ودون أن أسمي أحدا باسمه أو بالعار !!
أجل لقد صار يمشي عاريا , العار الذي كان الجميع يتحاشاه أينما صادفه في الشارع أم العمل أم في أي مكان .
تحدثوا قديما ولا زال الحديث جاريا حتى اليوم عن ماء في الوجه يمنع الكثيرين أو يردهم عن ارتكاب المعاصي والذنوب , وحين يرتكبها أحدهم يقال عنه أنه « سفح ماء وجهه « , ولو أن أحدهم سولت له نفسه ارتكابها فثمة من يوبخه ويذكره بماء الوجه . وسفح ماء الوجه لم يعد حصرا في بعض السياسات ولبعض السياسيين , صار في زمننا هذا عرضا من أعراض الرشح أو البرد كثير الانتشار وكثيرون المرضى به , وأكثر من هذا وذاك العقاقير والمبررات اللفظية التي تساق من هنا وهناك لتبريره كالفقر أو الجو العام أو الشطارة و» الحربقة « وغيرها .
لم يعد ثمة ماء في الكثير من الوجوه , والمسألة بالتأكيد لا علاقة لها بحالة الجفاف العام المناخية التي تضرب الكثير من مناطق العالم ومنها على وجه التحديد منطقتنا العربية , فالترفع الحروري في المناخ والذي يتسبب بفقدان الماء العذب ومصادره .. لو جرى في النفوس والعقول البشرية ترفع مثيل له لازداد الماء في الوجوه بدل نقصانه , ولكانت الدنيا أكثر خيرا مما هي عليه اليوم ومما نرى من نماذجها الجافة المجففة على بعض الوجوه المحنطة .
الرشوة والتسيب والإهمال والتحيز والكذب والتزييف وافتقاد حب الخير العام وغير هذا وذاك من مظاهر الفساد والفوضى التي نلمسها ونواجهها يوميا , كلها أشكال وتلاوين لسفح الماء عن الوجوه , كلها أشكال من العار .. العار الذي ما كان يظهر إلا متلبسا ألف رداء وقناع , وما كان حديثا يجري على الألسن إلا نادرا .. صار اليوم يمشي عاريا , وصار صاحب العار يفخر بعاره ويفاخر به , كما لو أنه القاعدة , فيما الماء في الوجوه استثناء نادرا .. أخشى أن يجري توصيف زمننا هذا على الألسن بأنه زمن العار , لكنني لن أستهجن !!