السؤال للفتوى رقم 151:
أستاذي الكريم: يسعدني أن أتقدم إليكم بهذا السؤال الذي طالما احترنا في كيفية الرّد عليه للسائلين والذي طالما تكرر علينا في أكثر الأحيان وهو الآتي ذكره، هل يجوز للرجل أن يتمتع بزوجته كيف يشاء إلاّ أن يأتيها في دبرها ؟ (كأن يطلب منها أن تمّص ذكره أو أن يلحس فرجها)، معذرة على هذه الصياغة ولكن الأمر ملح جدا، وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فأهل العلم تختلف أنظارهم في حكم هذا الفعل بين مجيز وهو مذهب الحنابلة وبعض المالكية كأصبغ، ومانع مطلقا ومكرِّه له.
أمّا المانعون فاستدلوا بطريق الأولى بالأحاديث المانعة من نظر الرجل والمرأة إلى عورة كلّ واحد منهما مثل قول عائشة رضي الله عنها في ذكر حالها مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :"ما رأيت ذلك منه ولا رأى مني"(١) فإذا كان النظر ممنوعا فيمنع مسّ الفرج أو الذكر ومصّه من باب أولى.
أمّا القائلون بالجواز مطلقا أو بالتفصيل استدلوا على أنّ الأصل الإباحة في استمتاع كلّ واحد منهما ولم يستثن الشرع سوى أن يأتيها في الدبر، أو في القبل حال الحيض والنفاس أو حال تضررها لقوله تعالى: ﴿وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّّهُمْ غَيْرُ مَلُومِين﴾ [المؤمنون: 5/6] ولقوله تعالى: ﴿نِساَؤُكُم حَرْثٌ لّكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أّّنىَّ شِئتُم﴾ [البقرة: 223] ولقوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"(٢) ولقوله صلى الله عليه وسلم حال الحيض "اصنعوا كلّ شيء إلا النكاح"(٣) ومعنى الحديث أنّ لكل من الزوجين أن يستمتع بالآخر بما شاء إلا الوطء في محلّ الوطء في محل الحيض، وردوا على حديث عائشة رضي الله عنها أنّه ضعيف لا يصلح للاستدلال بل الأحاديث الصحيحة تخالفه من اغتسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أزواجه ومعاشرته صلى الله عليه وسلم تدلّ على جواز النظر، فضلا عن كونه معارضا لقوله صلى الله عليه وسلم :"احفظ عورتك إلاّ من زوجتك"(٤) والحديث على فرض صحته فهو محمول على الأدب على ما قال ابن العربي.
ومن نصوص الحنابلة ما ذكره المرداوي في الإنصاف قال:
"إحداهما: قال القاضي في الجامع: "يجوز تقبيل فرج المرأة قبل الجماع، ويكره بعده، وذكره عن عطاء.
الثانية: ليس لها استدخال ذكر زوجها وهو نائم بلا إذنه، ولها لمسه وتقبيله بشهوة، وجزم به الرعاية، وتبعه في الفروع، وصرح به ابن عقيل وقال: لأنّ الزوج يملك العقد وحبسها.."(٥) ومن نصوص المالكية ما نقله القرطبي في تفسيره عن أصبغ المالكي أنّه قال: "يجوز له أن يلحسه بلسانه"(٦).
هذا، وعندي أنّ هذه العادة مكروهة للأسباب التالية:
أولا: إنّ اللسان محل الذكر ينبغي أن يُصان من المواضع التي يخرج منها البول والمذي والودي.
ثانيا: إنّنا مأمورون بمجانبة النجاسات، ولا يخفى أنّه في حال مباشرة هذا العمل قد لا يسع التحرز من المذي وهو ماء أبيض لزج رقيق يخرج عند المداعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، وهو من النجاسات التي يشقّ الاحتراز منها، الأمر الذي لا يبعد أن يخالط الريق حال مباشرة هذا الفعل.
ثالثا: قد تتعلق بمحل التقبيل أشياء قذرة أو لها رائحة قذرة أو يتعلق بفرجه علّة، فإن لم تكن عرضة للأمراض فإنّ هذا الفعل مكروه بالطبع تستقذره النفوس السليمة.
رابعا: وقد يحصل كثيرا العدول عن الاستمتاع بالجماع في الفرج الذي هو محلّ الحرث ومصدر النسل والذرية بسبب التلذذ بهذه الكيفية.
والعلم عند الله تعالى؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
الجزائر في: 6 ربيع الثاني 1424ﻫ الموافق ﻟ : 3 جوان 2003م
-----------------------------
١- أخرجه ابن ماجه: (262/1922)، وأحمد في مسنده: (6/63) من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي لفظ: (ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قط) والحديث ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله كما في الإرواء (6/213 رقم: 1812)، وآداب الزفاف: (ص 34).
٢- أخرجه ابن ماجه في الأحكام رقم: (2341)، وأحمد: (3/267)، وصححه الألباني في الإرواء: (3/408) رقم: (896)، وفي غاية المرام:(68).
٣- أخرجه مسلم في الحيض رقم: (301)، وأبو داود في الطهارة رقم: (258)، من حديث أنس رضي الله عنه.
٤- أخرجه أبو داود في الحمّام رقم: (4017)، والترمذي في الأدب رقم: (2794)، وابن ماجة في النكاح رقم: (1920)، وأحمد: (5/3- 4)، والبيهقي في الطهارة رقم: (988)، من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في الإرواء: (6/212) رقم: (1810)، وفي آداب الزفاف ص(111).
٥- (8/32).
٦- (12/232).
سماحة الشيخ أبي عبدالمعز محمد علي فركوس ـ حفظه الله تعالى ـ