تأثر الفن القصصي الفلسطيني في هذه المرحلة بعدد من التجارب في العالم العربي وقد اشتهر في هذه الفترة أربعة كتاب كانوا جميعاً يعيشون خارج فلسطين وهم: محمود سيف الدين الإيراني 1914-1974، جبرا إبراهيم جبرا 1917-1994، سميرة عزام 1924- 1964، غسان كنفاني 1963- 1972. وقد كتب الإيراني القصة منذ الأربعينات وهي أكثر نضجاً من المحاولات السابقة لها في فلسطين، وانتقل إلى الأردن عام (1942)، فاعتبر من أهم رواد القصة في شرق الأردن وجاءت أعماله برهاناً على وحدة الثقافتين الأردنية والفلسطينية، وربما كانت مجموعته " مع الناس " (1956) هي ما أثبت قدراته المتعددة، أما أعمال جبرا القصصية فقد بشرت بميلاد مستوى مختلف وأكثر حداثة وقد نشر مجموعته " عرق وقصص أخرى " عام (1956) وقد كانت قصصه إلهاماً للصفوة. أما سميرة عزام التي بدأت الكتابة قبل عام 1948، وقد دلت أعمالها على وعي بالأحداث الخطيرة التي كانت على وشك الحدوث بالإضافة إلى أن قصصها عكست انضباطاً فرضته على ذاتها واحتراماً لأدواتها الفنية، وباختصار فإن قصصها الفنية هي خير ما يمثل القصص القصيرة الفلسطينية في مرحلة الخمسينات والستينات. وعن غسان كنفاني فقد دخل عالم الأدب بنشره عام 1961 مجموعته " موت سرير رقم 12" وقد بدا أن هذا الكاتب قادرٌ على تحقيق العمق والتنوع، وبصدور مجموعته الثانية " أرض البرتقال الحزين " عام 1963 رسخ نفسه كاتباً قصصياً من الطراز الأول، ثم أصدر بعد ذلك " عالم ليس لنا" 1965 عن الرجال والبنادق 1968، واصدر كنفاني روايته الأولى " رجال في الشمس " عام 1963 ثم رواية " ما تبقى لكم " عام 1966 " وعائد إلى حيفا " 1969, وكانت رواية رجال في الشمس هي التي وضعته في طليعة كتاب القصة في الأدب العربي عامة والفلسطيني خاصة، وكانت رواية ما تبقى لكم محاولة جريئة لتحديث القصة في العالم العربي.
مرحلة من 1967 حتى الآن
بدا عقد السبعينات أشبه بساحة معركة، حيث تنافس الشعراء الفلسطينيون في الجرأة والابتكار فسقط منهم عدد كبير على طريق الشعر، وبدأت الشلل الأدبية في الظهور وكان هناك إحساس عام بالارتباك تجاه ما هو ضروري في التجديد، ولكن ظهور عدد من الشعراء الموهوبين والذين استعادوا استقلالهم الفني مكن ساحة الشعر من التوازن مجدداً فانتهت تجارب السبعينات بشكل فجائي وغير متوقع، وبدخول الثمانينات تخلص الشعر من الخصائص السلبية التي اتصف بها شعر السبعينات بينما احتفظ في الوقت نفسه بالجرأة والقطعية مع الخصائص التقليدية، وظهر على الساحة شعراء جدد يكتبون شعراً مختلفاً ونذكر منهم خيري منصور (مولود 1945) مريد البرغوثي (1944) وأحمد دحبور (1946) وظهر كذلك وليد الخزندار ( 1950) والذي يعتبر من أروع الشعراء الشباب في الشتات وربما في الأدب العربي الحديث برمته وكذلك غسان زقطان ( 1954) وزكريا محمد (1951) الذي تخلى تماماً عن الموقف البطولي وكثير من أمثال ابراهيم نصرالله (1954) يوسف عبد العزيز(1956) وراسم المدهون (1947)وطاهر رياض (1956) محمد الأسعد (1944). وهناك أيضاً الشاعر سميح القاسم المولود في (1939) لكن الموضوع السياسي بقي محور علاقته مع جمهوره وكذلك الشاعر علي الخليلي (1943).
ظهور محمود درويش
محمود درويش المولود عام 1945 بدأ مسيرته الشعرية في الستينات، ولا يمكن الحديث عن تطور الشعر الفلسطيني دون الحديث عن تجربة محمود درويش بالذات، وقد جنى محمود درويش فائدة كبرى من ثورة الستينات والسبعينات في عالم الصورة الشعرية وقد دفعت بخياله الخصب إلى حرية لم يعهدها من قبل، فصورتُهُ في العادة مضيئة لا تنسى، ومن الصعب نسبة محمود درويش إلى هذه الفترة أو تلك بحيث أصبح محمود درويش جزء لا يتجزأ من الحركة الشعرية الحديثة في العالم العربي. لقد رسخ محمود درويش إضافة إلى منجزاته الثقافية سمعة الفلسطينيين بصفتهم شعباً أسهم بإبداعه وعطائه الفكري في الحياة الثقافية العالمية في العصر الحديث.
القصة والرواية بعد 1967
صدرت مجموعة أميل حبيبي " سداسية الأيام الستة " عام 1968 فأحدثت ضجة في كل من إسرائيل والعالم العربي على السواء، غير أن شهرته ككاتب عالمي لم ترسخ إلا بعد ظهور روايته " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" عام 1974 حيث ترجمت إلى العبرية وغيرها من اللغات. وقد كان جبرا أول فلسطينيي يحقق الانتشار في ارض الشتات حيث نشر حتى وفاته عام ( 1994 ) سبع روايات هي "صراخ في ليل طويل" عام 1955 وصيادون في شارع ضيق (1960) وقد نشرت بالإنجليزية، غير ان سمعته الروائية أخذت مداها بعد نشره رواية "السفينة" عام ( 1970 )، وازدادت شهرته بعد رواية "البحث عن وليد مسعود" ( 1978 ) وكذلك روايته المشتركة مع عبد الرحمن منيف "عالم بلا خرائط" (1982)، وكانت آخر رواياته "الغرف الأخرى" (1986)، ومن ابرز الروائيين الشباب " نسبياً " هو إبراهيم نصر الله الذي تمثل روايته "براوي الحمى" (1985) تجربه مهمة في الأدب العربي الحداثي. ولابد من ذكر الروائية سحر خليفة ورواياتها "الصبار" (1976)، عباد الشمس (1982)، مذكرات امرأة غير واقعية (1986)، ومن الكتاب الذين يستحقون الاهتمام كذلك " اكرم هنية " ومحمود شاهين، ليانا بدر.
الخلاصة:
سوء أوضاع فلسطين المحتلة منذ عام 1967، التي كانت تسير من سيء الى اسوأ لما تميز به الاحتلال الاسرائيلي على غيره من الاحتلالات الاخرى باداعاءات مسعورة كاذبة من انه صاحب الارض والتاريخ والمستقبل، وتميز بسيطرة تعسفية على كل الاصعدة من خلال قانون الطوارئ الى المخططات الاستيطانية، ومحاولات التهويد، ونسف البيوت واعتقال الآلاف من المواطنين وفرض العقوبات الجماعية والسيطرة على مرافق الحياة، ومصادرة الارض، ونهب الموارد المائية والحرب الاقتصادية واقفال المؤسسات العلمية والنقابية والمهنية واعتماد البيروقراطية البطيئة بهدف الاذلال، وصولاً الى ما هو اهم واكثر مصيرية، وهو حرمان الشعب الفلسطيني من هويته الوطنية الشعر الفلسطيني بدأ حماسياً مرتبطاً بالواقع السياسي النضالي، وتطور إلى مراحل متقدمة حتى على المستوى العالمي كما في شعر محمود درويش. أما الرواية والقصة فهي قد مرت بمراحل عديدة من هبوط وارتفاع في المستوى الفني الى ان استطاعت الوقوف على قدميها لأنها أساسا تجربة جديدة ـ عمرها نصف قرن ـ على العالم العربي ومع ذلك استطاع الفلسطينيون أمثال جبرا، أميل حبيبي وكنفاني الوصول الى مراحل مهمة فيها عربياً ودولياً.