حققت "نشمية" بطلة هذه الحكاية ، انجازا لم يخطر على بال غيرها من نساء القرية ..لم تكن العملية سهلة لأن الخصوم هم رجال القرية مجتمعين ..لكن مكر النساء استطاع ان يهزم عزم الرجال ! ... "لم يعد السكوت على هذه الحال ممكناً".. هكذا كانت "نشمية" تحدث نفسها وهي تنظر الى ساعة الجدار التي جاوزت منتصف الليل .. لقد قررت ان تضع حدا للموضوع ولو وصل الخلاف الى الطلاق .. وعندما فتح زوجها عواد الباب ودخل ، هبّت في وجهه غاضبة وهي تصيح :
- هيا عد الى المكان الذي كنت فيه ، لا مكان لك بعد اليوم في هذا البيت ..هيا ..اخرج
فوجىء عواد بغضبة زوجته ..فهذه هي المرة الاولى التي تثور في وجهه بهذه الطريقة :
- ما بك ياحرمة ..؟
- الن تبطل عادة السهر كل يوم حتي منتصف الليل ؟ وهل هذه التي تجلس وحيدة في البيت تنتظر قدومك ، قطة ام امرأة؟..
- ومن الذي طلب اليك ان تنتظريه ..يمكنك ان تنامي
- وهل هذا بيت ام فندق ؟.اين كنت حتي الآن؟..
- عند المختار ..كما في كل ليلة ..جميع رجال القرية يسهرون في ربعة المختار ..
- ومن قال لك ان زوجاتهم راضيات عنهم ؟
- امرك عجيب يا امرأة .. من ايام اجدادنا والرجال يسهرون في مضافة المختار ..ليس في القرية اية وسيلة تسلية اخرى لا مقهى ولا ناد ولادار سينما ..هل تستكثيرين علينا التعليلة في ربعة المختار ؟
- ولماذا لا تسهرون في بيوتكم مع زوجاتكم وعيالكم ..هل تعلم ان اولادك لا يرونك الابين حين وحين ؟..هل تعلم انهم يشعرون وكأنهم ايتام ؟..
- اي طوّلي بالك ..انك تصورين حياتنا مثل الافلام الحزينة التي نراها في السينما ..
- فقط اريد ان اعرف ..ماذا تفعلون في هذه السهرة اليومية ، وعن اي شيء تتحدثون ؟..اياك ان تقول انكم تبحثون في شؤون الزراعة ..فهذه الامور تبحث في الجمعية الفلاحية ..
- نحن نتحدث في امور الدنيا !
- ولماذا لا تبحثون مع اسركم في امور بيوتكم وزوجاتكم واولادكم ؟
- اسمعي يا نشمية ..انا اشعر بالنعاس واريد ان انام ..اخزي الشيطان ودعيني اذهب الى فراشي والصباح رباح ..
في الصباح قررت نشمية ان تثير الموضوع مع بقية النساء في القرية ، فالحالة لم تعد تحتمل والزوجات لسن بغنمات يرمى بهن في الحظيرة ويغلقون عليهن الابواب منذ المغيب لينطلقوا الى مضافة المختار ..
في اول الامر لم تلق نشمية التجاوب المطلوب من نساء القرية ..حاولت اكثر من امرأة واحدة اقناعها بأنهن اعتدن على هذا الواقع ، وان الرجال -من يوم يومهم- يسهرون في المضافة يتحدثون ويدخنون ويشربون الشاي والقهوة
لكنها لم تيأس .حاولت من جديد ..واستطاعت ان تكسب بعض النسوة الى جانبها .. وخاصة اللواتي اصبحن عضوات في الجمعية التعاونية والجمعية الفلاحية .. اقنعتهن بأن قيمة المرأة توازي قيمة الرجل .. وهي تعمل اكثر منه ..تعمل في البيت وفي الحقل وتقوم بتربية اولادها ، وبواجبها الزوجي ، ومن حقها ان يشاركها زوجها المسؤولية ويهتم بشؤون البيت والاولاد ، بدل جلسات الثرثرة في مضافة المختار كل يوم وحتى منتصف الليل ..
وبدأت نشمية بعقد جلسات للنساء الجارات والقريبات للتداول في كيفية مجابهة هذه المشكلة ، وكان اكثر ما يزعجها موقف جارتها ام ياسر التي تفسد الجلسة وهي تقول :
- وماذا تريدين من هؤلاء الرجال الظالمين يا نشمية .. وهل تتوقعين ان يجلسوا الينا ويسامرونا ، ويهتموا بشؤون اولادهم ودروسهم ؟..احمدي ربك انهم يغيبون وغياب الظالم رحمة..
وعبثا تحاول نشمية اقناع ام ياسر بأن مشكلة خلافها مع زوجها يجب الا تعممها على الجميع فالحياة الزوجية ليست امرأة رهينة البيت ورجلا يسهر وحده حتى منتصف الليل .. وعندما فاتحت نشمية زوجة المختار بالموضوع فوجئت بأنها متضايقة بدورها من استقبال زوجها رجال القرية كل ليلة في المضافة :
- الله وكيلك يا نشمية لا اعرف الراحة منذ الفجر وحتى منتصف الليل ..واظل لاهثة في المطبخ لاجهز القهوة والشاي كل ليلة ..واذهب الى فراشي كالقتيل ..
واخيرا نجحت نشمية في مجابهة سهرة الرجال الذين رضخوا للامر الواقع وقرروا ان تقتصر الزيارة على فترة مابين المغرب والعشاء فقط ..
كيف تم ذلك ؟
عاد الرجال في منتصف الليل الى بيوتهم ليفاجأوا بأن زوجاتهم لسن في البيوت ..وان الاولاد لا يعرفون اين ذهبت الامهات فخرج الازواج من البيوت بحثا عن زوجاتهم ليفاجأوا انهن جالسات لدى زوجة المختار يقرشن البزر المحمّص ويثرثرن حول امور الدنيا . وكان الحل على طريقة (داوها بالتي كانت هي الداء ).. وانتصر مكر النساء !