من هناك من أرض بعيدة، بعيدة الآفاق بعيدة عن القيم و أخلاق من بيئة عرفت بالفساد، ينتشر فيها الكفر و الإلحاد، من أوروبا وماأدراك ما أوروبا، قارة بلا قيم، أناس من أسفل الأمم، الفضائل فيها تنهدم، و الشر فيها منتظم يشاء الله الحكيم، ظهور أمر عظيم، رؤوس تقطع، وأمن يزعزع، ونساء تغتصب، و أموال تنهب، يا إلهي !! إنه خطر عظيم مثله في عصرنا عديم، إنها حرب
صليبية جديدة يديرها أهل الشر و المكيدة، يديرونها للإسلام تدميرا، وللإيمان تغييرا، قائدها شبح كبير، شبح جسده أوروبا فما أفضحها، ووجهه صربيا فما أقبحها. شهروا سيوفهم على أناس عزل فصار كل منهم إما معذب أو معتقل أو تائه في الأرض معطل، وما ذاك إلا لأن أسماءهم أسماء مسلمين، و مع أن أفعالهم و أشكالهم كالغربيين، صاروا مثلهم لا دنيا ولا دين ومع هذا فأوروبا لا تريد في قلبها شيئا من الإسلام و لو كانت الأسماء فحسب، فهم يعرفون أنه في أية لحظة قد ينير الإسلام أرض البوسنة و الهرسك، ولكنهم جهلوا أن النور يحتاج إلى طاقة تمده والنور هو الإسلام و الطاقة هي الجهاد في سبيل الله، وبالفعل أمد الله تلك البلاد المسلمة التي كادت تفقد نورها تماما، أمدها الله و أنقذها بالجهاد الذي أعاد فيها الحياة، و بدد عنها كثيراً من الظلمات، و لو تركوها لكانت وإياهم سواء، ولكن "ويمكرون ويمكر الله و الله خير الماكرين " "يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" . فبالجهاد عاد كثير من الشباب إلى حضيرة الإسلام بعد أن كانوا عنها مبعدين، و بالجهاد استنارت قلوب كثير من الغافلين، فصارت نبراسا للعلا ، ومنارات للهدى، فمنهم من قضى نحبه، و منهم من ظل على العهد يرجوا نيل الشهادة في جهاده، ويشاء المولى عز و علا، أن يزيل ظلم الظالمين، ويعذب الكافرين على أيدي رجال صادقين، من أبطال المجاهدين إنهم : عصبة من شباب أقبلوا من بعيد يعرضون الوفاء للإله المجــيد وبعد انتهاء الجهاد هناك، عشقت نفوس من أهل البوسنة الجهاد في سبيل الله، فوا عجبا!!! بعد أن كانت نفس أحدهم تعشق الدنيا وشهوتها، أصبحت تعشق نارالجهاد و ضراوتها، وما ذاك إلا في سبيل الله ولترتفع راية (لا إله إلا الله)، يا الله ياله من طلب ما أسماه، وشوق ما أرفعه و أعلاه. يخرج من قلب أوروبا رجال كالجبال، يخرجون منها ولكن إلى أين أإلى الدول الكافرة أو إلى البلدان الداعرة، لا والله - بل إلى حرب ساعرة، و إلى ظروف صعبة قاهرة، إنهم يخرجون من أوروبا إلى الشيشان، وهم يعرفون ما هي الشيشان، و يعرفون ما يدور فيها، فحرب ضروس فيها تسعر، و هول عظيم فيها منتشر، برغم هذا آثر هؤلاء الأبطال حياة العز و الكرامة، على حياة الذل و المهانة. ومنهم أسدان من أسود البوسنة، وهما الشهيدان (أمين) و)ياسين)، هذان الرجلان اللذان كان لوجودهما على أرض الشيشان أثر طيب على أهلها،لقد أثبت الشهيدان البوسنويان للعالم أجمع أن الإسلام أرضه واحدة لا تفرق بينه حدود ولا سدود ، و - تالله - يا أخا الإسلام لو رأيت مقبرة من مقابر الشيشان لوجدت فيها عجبا، فهاهنا قبر شهيد شيشاني، و بجانبه عربي، آخر بوسنوي، وآخرإفريقي وتركي و غيرهم و غيرهم، هذه القبور لم تجتمع لأجل قومية أو وطنية، ولا لحمية جاهلية، بل اجتمعت لراية جلية، إنها راية التوحيد و الإسلام راية الخير والمحبة و الوئام. فيالها من دماء طاهرة، جمعها الله - تعالى من أماكن شتى لترتوي منها شجرة الإسلام و الإيمان، فذاك (أمين) البسنوي كم أحبه إخوانه وكم أحبوه،إنه ذو طابع فريد من نوعه، تعرف في وجهه الصدق و الإخلاص، وترى في عمله الجد و الإجتهاد، قوي البنية، طليق الوجه لا تكاد تراه إلا مبتسما، ولكنه - مع هذا - شديد على أعداء الله من الكفرة و المنافقين، يتمثل في ذلك قول الله - عز وجل - عن المؤمنين: "أشداء على الكفار رحماء بينهم" . أمضى أمين شهور عديدة في الشيشان مجاهدا وغازيا في سبيل الله تعالى، أمضى هذه المدة وكان متشوقا للشهادة حتى كأنه لايرى الرجوع إلى بلده و من يصدق الله يصدقه. و في أحداث الشيشان المتلاطمة والمتغيرة، و في أيام شتاء عام 1420 هـ. الموافق لشهر فبراير من عام 2000 م، يضطرالمجاهدون للإنحياز من جبال منطقة (شاتوي) التي أصبحت هدفا للطائرات و المدافع الروسية، التي سلطة كل طاقتها عليها، وبالفعل أخذ المجاهدون بالإنسحاب ليلا من شاتوي وفي الطريق كانت هناك عقبات لا يعلمها إلا الله، فالروس قد طوقوا المجاهدين من كل مكان فلم يبق سبب إلا وحاول المجاهدون اتخاذه لإنجاح هذا الإنحياز ولكن باءت كل الطرق بالفشل، فلم يبقى إلا رحمة الله وعنايته، و في أثناء ذلك حاول المجاهدون سلوك طريق خطير جدا حيث كان فيه بصيص من أمل بالنجاة، ولكن يفاجأ المؤمنون بأعداد من القوات الروسية حاولت قطع الطريق عليهم فابتدرهم عدد من أسود المجاهدين لإزالتهم وقتلهم ليفتح الطريق، وقد كان منهم (أمين) البسنوي رحمه الله رحمة واسعة. وبخطة حكيمة من قائد المجاهدين - بعد عون الله وتوفيقه – استطاع المجاهدون تطويق هذه المجموعة الكافرة فقضوا عليهم - بفضل الله – غير أن مجموعة منهم بقيت متحصنة في الخنادق يبكون ويصيحون طلبا للنجاة ولكن هيهات هيهات . كان أمين مع بعض إخوانه يحاولون الإقتحام عليهم وكانت القذائف تنهال عليهم بشدة من مدفعية العدو ولم يطل الأمر حتى نزلت قذيفة هاون بجانب أخينا (أمين) البوسنوي، لتكون سببا في رفع روحه إلى السماء، و لتكون سببا في نيل أمنيته التي كان يتلهف عليها، فرحمك الله يا أمين من مقاتل شجاع لم تهب الموت يوما في جهادك، ورفعك الله في أعالي جنان الخلود ياأسدا من قلب أوروبا. ومن (أمين) إلى مثيله وشبيهه (ياسين) أنعم به و أكرم، فدى الإسلام بنفسه وهي أغلى ما يملكه بعد إيمانه ودينه، كان محبا للعلم، كثير السؤال عن أحكام دينه، عالي الهمة شجاعا، صداعا بالحق، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يخشى في سبيله قوة الكافرين، كانت الشهادة أمنية من امانيه يرجوها ويطلب وصولها، ولكم دعا ربه بها في الأسحار حيث كان يقوم الليل، ولكم دعاه حينما كان يصوم النهار. كان (ياسين) -رحمه الله – يلح على أميره ويطلب منه دائما أن يسمح له بالذهاب إلى خط الروس بمفرده فيقاتلهم حتى يقتل، وكان جادا للغاية في هذا الطلب، غير أن الأمير كان يمنعه من ذلك فيرجع ياسين و عليه أثار الحزن و الأسف حيث لم يسمح له الأمير بذلك. ولكن لا تحزن يا (ياسين) فإن الشهادة آتية إن شاء الله ما دمت على طريق الجهاد المبارك، ولكن لكل شيء أجل مقدر و مكتوب، وفي أحد الأيام أصيب حبيبنا (ياسين) في يده وهو يدافع عن أحد جبال المجاهدين الحصينة فكسرت يده كسرا بالغا، و مع هذا فلم يكن يظهر التألم والتوجع بل كان صابرا محتسبا و راضيا متلذذا بقضاء خالقه وقدره، وكأنه كان يشعر أن هذه الإصابة مقدمة للشهادة التي تعلق قلبه بها، بعد أن عرف فضلها وعظيم أجرها كيف لا وهي التي تكون سببا في مغفرة الذنوب من أول قطرة من دمه؟ وكيف لا والشهيد يرى مقعده من الجنة وهو في الدنيا قبل خروج روحه ؟ و كيف لا والشهيد يزوج باثنين و سبعين من الحور العين؟ و هو الذي يوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، و هو الذي يبعث يوم القيامة ناجيا آمنا لا خوف عليه ولا حزن،و الشهيد يشفع في سبعين من أقاربه، و يأمن من فتنة القبر وعذابه، كل هذا وغيره أكثر، فكيف لمن كان عنده إيمان أن يستمع ىلمثل هذه الفضائل للشهيد ثم لا يشتاق إلى نيل الشهادة في سبيل الله تعالى، فلذلك تلهفت نفس (ياسين) - رحمة الله - لنيل الشهادة و فعلا نالها إنشاء الله، فلقد كان مع بعض إخوانه في غار للمجاهدين إذ علم بمكانه أعداء الله فوجهوا أسلحتهم و مدافعهم إلى ذلك الغار ليجعلوه شعلة من نار،و كثيب من تراب لتسموا فيه روح الشهيد وتعلو إلى بارئها المجيد، الذي نسأله أن يجزيها خير الجزاء ويعطيها خير العطاء وأن يسكنها أعالي الجنان، إنه هو الكريم المنان. " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون" ابو عمر الكويتي نقلا عن صوت القوقاز