أطفال فلسطين قوموا من فراشكم وانهضوا أيها الرائعين .. في الصباح الباكر جدا وازحفوا على أقدامكم الصغيرة .. هناك ... هناك .. ستجدونها .. إنها البندقية .. مركونة بهدوء معبأة بالموت .. اكتبوا عليها بحروف كبيرة .. يا بندقية أبي عيب عليك لو قتلت عمو .. ثم عودوا يا حلوين .. يا أممير إلى فراشكم وناموا بهدوء .... وحين ينهض الأب المقاتل وبينما أنتم جميعا تجلسون متحلقين حول طاولة الفطور، قولوا لآبائكم إنكم مضربون عن الطعام حتى يقسم الآباء المقاتلون أنهم لن يطلقوا النار على الأخوة الفلسطينيين الآخرين.
أما أنتن يا نساء المقاتلين ويا زوجات الشهداء والمعتقلين والجرحى ، اخرجن إلى الشوارع واحتللن المؤسسات وانتشرن في المنعطفات والأزقة رافعات صور الشهداء والمعتقلين ، اهجمن على كل مقاتل يطلق النار على أخيه وأشبعنه توبيخا أو أسئلة وصورا للشهداء ..
يا نساء غزة حررن غزة من جنون الحرب الأهلية كما حررتن المقاتلين من حصار بيت حانون ، يا نساء فلسطين في كل فلسطين ، يا زوجات وأخوات وبنات وجدات المقاتلين والمعتقلين والجرحى والشهداء ، أنتن الوحيدات القادرات على وقف هاوية الأخوة ، لا لجان المتابعة ولا وساطات العرب ولا مناشدات العالم تستطيع أن توقف قتال الأخوة ، فقط أنتن من تستطعن بما تمتلكن من جرأة وشرعية وقوة خفية داخلية ، ومصدر للبراءة والسلام واستشراف المستقبل ، والحرص على روح فلسطين ونبض شعبها ، والقرب الحميم من فكرة التسامح ، وتراث بلادنا النضالي ووصايا الشهداء غير المعلنة، أن تحرجن البنادق الغبية وهي تقتل أبناء شعبها ..
إذ كيف يستطيع مقاتل يستعد لقتل أخاه أن ينظر إلى عيونكن يا بنات الشهداء وزوجات المعتقلين ؟ كيف تستطيع بندقية غريبة أن تطلق النار على فلسطيني شريف بينما زوجة شهيد كان يقاتل مع صاحب هذه البندقية تهزه من كتفه وتصيح فيه يا مقاتل : يسلم عليك زوجي الشهيد ويقول لك هل نسيت طريقنا ؟ كلما همت رصاصة فلسطينية بالانطلاق إلى صدر فلسطيني آخر واجهنها يا نساء فلسطين بصورة معتقل فلسطيني وانظروا الرصاصة كيف تتراجع مذعورة ، خائفة ونادمة ..
لتكن البداية هي الانتشار في الشوارع والهتاف ضد البنادق القاتلة لشعبها ، ثم احتلال المؤسسات والوزارات والثكنات العسكرية ، وسيكون المشهد رائعا لو انتشر أيضا تلاميذ وتلميذات المدارس معكن ، يهتفون بالمجد للبنادق الشريفة الموجهة إلى الاحتلال فقط ، واقترح أيضا أن تقوم النساء الفلسطينيات بترك البيوت لأن البيت الكبير في خطر والتجمع في كل مكان بالتظاهر ليل نهار في الساحات والطرق ويقمن بتوزيع وإلصاق صور الآباء المعتقلين والشهداء على حيطان وجدران البيوت وأعمدة الكهرباء ، وكتابة هذه الجملة على الجدران : من شهداء ومعتقلي وجرحى فلسطين إلى أصحاب البنادق التي تقتل الأخوة : يا رفاقنا لماذا ضللتم طريقنا ؟ هل ضحينا بأرواحنا لننتهي إلى مشهد نقتل فيه بعضنا البعض ؟ اخجلي يا بندقية العار ، وارجعي إلى المخزن مضمخة بالندم ..
اتركن البيوت يا نساء فلسطين وهددن أزواجكن المقاتلين بالعصيان وارفضن الواجبات الزوجية والبيتية حتى تتوقف حروب الأخوة الأغبياء ، وأنتم يا أطفال فلسطين يا أبناء المقاتلين ، اعتصموا في الساحات وارفضوا العودة إلى البيوت أو المدارس ، إلى أن تتوقف أصابع الآباء عن الضغط على زناد البلاهة ، لتكن ثورة النساء والأطفال إذن ضد الغباء وضيق الأفق ، والتعصب الأرعن والفئوية القاتلة ، فلسطين بيتنا الكبير أكبر من كل البيوت الصغيرة التي تقصّر الطريق إلى حريتنا الموعودة واستقلالنا المجيد ، هيا هيا نخرج إلى الشوارع نساءً وأطفالا ، بناتا متزوجات وعازبات ، ربات بيوت ومهندسات وطبيبات وفلاحات ومعلمات وموظفات ، هيا يا أحلى الحناجر وأصدق الضمائر وأرق القلوب وأعذب الأرواح ، هيا بسرعة إلى حيث نقف في وجه الرصاص الوطني الذي ضل طريقه في فوضى مرحلة عمياء لم نعد فيها نعرف مع من نقف..
لكننا نعرف صحا واحدا لا اعتقد أن فلسطينيا شريفا يجادل فيه وهو أن حرب الأخوة الفلسطينيين هذه هي الخطئية الكبرى بل الكارثة المفزعة ، فنحن نستطيع أن نفهم وجود عملاء بيننا للإحتلال ، لأن كل شعوب العالم المحتلة تواجد فيها عملاء ، نستطيع أن نفهم وجود حالات هروب من المعركة مع المحتل بسبب ضعف مفاجئ أو جبن ، ونقدر على استيعاب وجود جبهة داخلية ضعيفة بحكم تخلف ثقافة هذا الشعب أو ذاك ، وانغلاق ذهنه واهتمامه بهموم وعادات اجتماعية متخلفة ، وهناك مساحة لتقبل وجود خلافات بالرأي في تفاصيل جانبية بين فصائل وقوى تناضل من أجل هدف واحد وهو الاستقلال ، لكننا لن نغفر وجود حرب حقيقية بالرصاص ومدافع هاون بين أخوة الهدف الواحد ، خصوصا وأن الاحتلال لم يخرج من بيوتنا ومدننا وصحون عشائنا وأجسادنا بعد ، سيكتب التاريخ أن نساء فلسطين أوقفن حروب الدم الواحد وحفرن تاريخا داخل التاريخ ، وأن رجالها اثبتوا أنهم كائنات صنعت للكلام والوعيد والوعود .. وبحبك يا فلسطين ..